فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما هي الطريقة الأفضل والأسلوب الأمثل والمنهاج المحبب
لحفظ صفحات وأجزاء القرآن الكريم ؟.
وجزاكم الله عنا كل خير
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وبعد.
الأخ الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إجابة على سؤالكم، نفيدكم بما يلي:
حفظ القرآن:
حفظ القرآن الكريم شرف كبير، كيف لا والله تعالى يقول:
﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾
( سورة فاطر الآية: 32 )
ويقول جل و علا:
﴿ بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 49 )
كيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم يفاضل بين أصحابه بالقرآن فيقول:
(( ليؤمَّكم أكثرُكم قرآنا))
[البخاري عن علي رضي الله عنه ]
وكان صلى الله عليه و سلم يعقد الراية في المعركة لأكثرهم حفظاً للقرآن وهذه قواعد تعين بإذن الله تعالى على الحفظ:
قواعد تعين بإذن الله تعالى على الحفظ:
القاعدة الأولى: الإخلاص.
قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ﴾
( سورة الزمر الآية: 11 )
ويكفينا قول رسول الله صلى الله عليه و سلم:
إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه ثلاثة و ذكر منهم:
(( رجلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وقرأَ القرآن، فَأُتيَ به، فعرَّفهُ نِعَمَهُ فَعرفَهَا، قال: فما عملتَ فيها ؟ قال: تَعلَّمْتُ العِلْمَ وعلَّمْتُهُ، وقرأْتُ فيكَ القرآنَ، قال: كذبتَ، ولكنكَ تعلَّمْتَ [ العلم ] ليقال: عالمٌ، وقرأتَ [ القرآن ] ليقال: [ هو ] قارئ، فقد قيل، ثُمَّ أُمِرَ به، فَسُحِبَ على وجهه، حتى أُلقيَ في النَّارِ))
[أخرجه مسلم والترمذي والنسائي]
وبالإخلاص تذلل العقبات و يشعر المؤمن بالسعادة تملأ قلبه.
القاعدة الثانية: اقتران الحفظ بالعمل بما يحفظ وبترك المعاصي.
روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال:
(( إِنِّي لَأَحْسَبُ الرَّجُلَ يَنْسَى الْعِلْمَ كَانَ يَعْلَمُهُ لِلْخَطِيئَةِ كَانَ يَعْمَلُهَا ))
[أخرجه الدرامي ]
والمعاصي أنواع فمن معاصي اللسان كالكذب و الغيبة إلى معاصي الأذن بسماع الحرام إلى أكل لحرام الخ.....
القاعدة الثالثة: الالتجاء إلى الله سبحانه.
الاستعانة به جل جلاله يُهوِّن كل عسير قال تعالى:
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
( سورة الفاتحة الآية: 5 )
أي نستعين بك يا رب على طاعتك.
القاعدة الرابعة: قوة الدافع و الرغبة الصادقة في حفظ القرآن.
ذلك ابتغاء رضوان الله جل جلاله في الدنيا و الآخرة.
القاعدة الخامسة: محبة الله عز وجل والقرآن الكريم.
تحبيبه إلى الناس ولا سيما الحافظ ذلك أن الإنسان يحفظ كلام من يحب و يردده دائما ً وكذلك البراء من محبة كل شيء أو أي شيء يبعد عن الله.
القاعدة السادسة: القراءة على الشيخ أو الأستاذ في المسجد.
هي الأساس في الحفظ بالإضافة إلى سماع التسجيلات للمقرئين المتمكنين في البيت إذ إن تصحيح القراءة مقدم على الحفظ والحفظ الخطأ صعب تصحيحه.
القاعدة السابعة: ضرورة الارتباط بحلقة للحفظ.
العلاقة القوية و الجيدة بالأستاذ المبنية على الحب والتقدير.
القاعدة الثامنة: اختيار الوقت المناسب للحفظ.
آ ): بالنسبة للأعمار.
الحفظ في الصغر يقول صلى الله عليه و سلم:
(( من تعلم القرآن وهو فتى خلطه الله بلحمه و دمه ))
ب ): بالنسبة لأوقات اليوم.
أجود الأوقات للحفظ الأسحار وبعد صلاة الصبح إلى شروق الشمس، قال تعالى:
﴿ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ﴾
(سورة الإسراء الآية: 78 )
القاعدة التاسعة: اختيار مكان الحفظ.
أفضل مكان هو المسجد ؛ لأن الإنسان في المسجد يحافظ على منافذ القلب الثلاثة فالعين والأذن واللسان كلها بعيدة عن الحرام والمعصية، وفي المسجد تتنزل الرحمات وتحف الملائكة حلقات الذكر ( ومنها حلقات تحفيظ القرآن الكريم ) ومع ذلك فالطالب الصادق يحرص على حفظ كتاب الله في كل مكان.
القاعدة العاشرة: القراءة الذاتية المجودة بصوت مسموع.
تثبت الحفظ في الذاكرة ( و ليس مهماً أن يكون الصوت جميلاً ) فالرسول صلى الله عليه و سلم يحثنا جميعاً على قراءة القرآن العظيم و التغني به قائلاً:
(( ليس منا مَنْ لم يتَغَنَّ بالقُرآنِ ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ]
القاعدة الحادية عشر: الاقتصار على طبعة واحدة من المصحف.
( و ليكن مصحف الحفاظ )
ذلك لأن الذاكرة تستوعب الحفظ كلوحات كل واحدة مستقلة عن أختها مع تركيز النظر على رسم الآيات أثناء الحفظ ,مما يجعل مواضع الآيات مرسومة ومنقوشة في الذاكرة بحيث لو سئلت عن آية فإنك تتذكر موقعها في الصفحة مما يساعدك على تذكرها, مع الانتباه إلى أن الربط بين الصفحات مهم جداً, وإلا فسوف يضيع الحفظ المتكامل بسبب عدم الربط.
القاعدة الثانية عشر: عملية الربط.
تؤدي إلى حفظ مترابط متين وهو أنواع منها:
آ ): ربط أواخر الآيات مع بعضها.
وهذا يعتمد على الحفظ الأولي المركز.
ب ): ربط بين أوائل الصفحات.
وهي أن تمرر على ذهنك أوائل الصفحات من كل جزء بعد إتمام حفظه.
ج ): عدم إنهاء حفظ صفحة.
عدم إنهاء حفظ صفحة إلا مع حفظ سطر من الصفحة التالية حتى تتصل الصفحتين في الذاكرة بسهولة.
القاعدة الثالثة عشر: الحفظ اليومي المنظم.
وهو خير من الحفظ المتقطع فأحب الأعمال إلى الله أدومها و إن قل.
القاعدة الرابعة عشر: عملية التكرار.
تحمي الحفظ الجديد و هي نوعان:
آ ): تكرار بتمرير المحفوظ على القلب سراً قبل النوم مثلاً.
ب ): تكرار برفع الصوت و قراءة المحفوظ و
هذا أثبت و أمتن للحفظ.
القاعدة الخامسة عشر: المراجعة المنظمة تثبت الحفظ.
وهي تحتاج إلى مجاهدة و صبر, و أساليبها كثيرة منها ما يعتمد على تسديس القرآن أو تسبيعه وأجودها طريقة السلسلة التي تعني أن يربط الحافظ أول حفظٍ قديم مع آخر حفظ جديد ,بحيث لا نضم إلى السلسلة حلقة جديدة حتى نقارنها مع باقي حلقات السلسلة القديمة وكل ذلك ضمن برنامج دوري بإشراف الشيخ أو الأستاذ , كما أن مراجعة الحفظ في قراءات الصلوات الخمس هو خير موضع لقراءة القرآن ومراجعته إذ فيه بركة و خير مع الانتباه إلى القراءة المجودة حتى في الصلوات السرية و لو راجع الحافظ ما يحفظه كل يوم في صلواته لرسخت الآيات في القلب والذاكرة.
القاعدة السادسة عشر: الحفظ المركّز الهادئ.
خير من الحفظ السريع المندفع الذي سرعان ما يتلاشى.
القاعدة السابعة عشر: التركيز على المتشابهات.
يدفع الالتباس و يعطي قوة و ثباتاً في الحفظ.
القاعدة الثامنة عشر: الفهم الشامل.
يؤدي إلى حفظ متكامل للآيات و ذلك أجدر بقارئ القرآن.
القاعدة التاسعة عشر: الاستفادة من الأوقات الضائعة.
لا سيما أثناء المسير أو ركوب الحافلة باستخدام المسجلة أو بحمل مصحف صغير.
القاعدة العشرون: نصائح عملية. آ ): اتخاذ مصحف خاص.
اتخاذ مصحف خاص تكتب على هامشه الأخطاء و المتشابهات و العثرات الشخصية.
ب ): المشاركة بالمسابقات.
المشاركة بالمسابقات والتنافس مع أحد الطلاب في الحلقة ( وهو يسمى أخو الحفظ ) ويفضل أن يكون من الجيران أو من الذين بيتهم في الحي نفسه فالعلم ينمو بين اثنين.
ج ): الاستماع للقرآن ف ل النوم.
الاستماع للقرآن من المسجلة قبل النوم.
د ): تسجيل صوتك.
الحفظ بتسجيل صوتك لمعرفة أخطاء المخارج و الحروف.
هـ ): وضع سجل خاص.
وضع سجل خاص يتابع فيه الطالب إنجازه ويتضمن أيام الحفظ والمراجعة وأيام التقصير ومدة حفظ تلك السورة.
الدعاء.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من العالمين بالقرآن العاملين به وأن لا يجعلنا من الذين يحفظون حروفه ويضيعون حدوده إنه سميع مجيب.