التربية الإسلامية - تربية الأولاد في الإسلام 2008 - الدرس
(01-36) : تمهيد ـ رعاية الأولاد واجب ديني
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-02-23
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق
الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن
وحول الشهوات، إلى جنات القربات.
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الأول من دروس تربية الأولاد في
الإسلام.
الأولاد
زينة الحياة الدنيا:
بادئ ذي بدء: الأطفال غراس الحياة، قطوف الأمل، قرة العين، زهور
الأمة، براعم الأمة، هم البشرى:
﴿
يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ ﴾
هم قرة العين:
﴿
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ
وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾
هم المحبة، هم المودة والرحمة:
﴿
وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
قال العلماء: المودة والرحمة هم الأولاد، هم زينة الحياة الدنيا.
﴿
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
رعاية
الأولاد واجب ديني لأن محبة الآباء والأمهات لأولادهم هي محبة الله:
لذلك أيها الأخوة، رعاية الأولاد واجب ديني، محبتهم قربة إلى الله،
لأنهم أحباب الله. هناك قصة رمزية للتوضيح نبي كريم مرّ بامرأة تخبز على التنور،
وقد وضعت ابنها على إحدى طرفي التنور، وكلما وضعت الرغيف في التنور ضمت هذا الصغير
وشمته وقبلته، تعجب هذا النبي، قال: يا رب ما هذه الرحمة ! هي رحمة الله عز وجل،
والله عز وجل قال: سأنزعها، فلما نزع الرحمة من قلب الأم بكى هذا الطفل فألقته في
التنور.
لذلك محبة الآباء والأمهات لأولادهم هي محبة الله.
﴿
وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾
هذا كلام دقيق جداً، الحب الذي يمتلئ به قلب الأم، والذي يمتلئ به
قلب الأب هي محبة الله لهذا الإنسان، أودعها في قلب أمه وأبيه، فلذلك الأطفال
أحباب الله، ومحبتهم قربة إلى الله، ورعايتهم واجب ديني، الآن الآية الكريمة:
﴿
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ
وَمَا وَلَدَ ﴾
نظام
الأبوة والبنوة أكبر مثال نتعرف من خلاله إلى الله:
نظام الأبوة والبنوة أكبر مثال نتعرف من خلاله إلى الله، كيف في
إنسان همه الأول سعادة ابنه، وهو ليس محتاجاً له أبداً، همه الأول تفوق ابنه، همه
الأول صحة ابنه، همه الأول سعادة ابنه، كيف أن في بني البشر الأب والأم لا شيء
عندهما أقرب إلى قلبيهما من الابن، يبذلان من أجله الغالي والرخيص، والنفس
والنفيس، تجوع الأم ليشبع ابنها، تخاف ليطمئن.
على كل نظام الكون من خلال الوالد والولد يعرفنا بالله عز وجل،
للتقريب: الأم كيف أنها لا تنام الليل من أجل ابنها، وإذا مرض ابنها تكاد تموت
قلقاً عليه ؟ هذه رحمة أودعها الله في قلب الأم، فكيف بصاحب الرحمة ؟ دقق:
﴿
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
﴿
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾
أرحم الخلق بالخلق رسول الله، ومع ذلك جاءت الرحمة في الآية نكرة
﴿
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
﴿
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾
لآية الكريمة
﴿
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ
وَمَا وَلَدَ ﴾
ظام الأبوة من البنوة.
الله
عز وجل ما خلق الإنسان إلا ليرحمه:
أكبر تعريف برحمة الله ورعايته، الآية الكريمة:
﴿
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
خلقهم ليرحمهم، الآن الآية الثانية:
﴿
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾
نحن في القرآن الكريم الآية لها سياق، ولها سباق، ولها لحاق، لكنك
إذا نزعت الآية من سياقها تشير إلى حقيقة ثانية، فوق الزمان والمكان.
﴿
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
هذه الآية وردت في سورة الطلاق، معناها السياقي أنه من يتق الله في
تطليق امرأته طلقها طلقة واحدة
﴿
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
إلى إرجاعها، من طلقها طلاقاً سنياً طلقة واحدة
﴿
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
إلى إرجاعها، انزع هذه الآية من سياقها، هي آية تشير إلى حقيقة
ثابتة
﴿
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في كسب ماله،
﴿
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
من إتلافه
﴿
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم
﴿
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في كسب ماله
﴿
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
في اختيار زوجته، يمكن أن تكتب حول هذه الآية مجلدات.
نُزعت هذه الآية من سياقها فإذا هي قانون عام.
والآية هذه أتت في موضوع المواريث، انزعها من سياقها
﴿
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾
خالق السماوات والأرض، يوصينا بأولادنا.
شقاء
الأب و الأم بشقاء أولادهما:
والله أيها الأخوة، كلمة لعلها مؤلمة لكن الحقيقة المرة أفضل ألف
مرة من الوهم المريح، لم يبقَ في أيدي المسلمين من ورقة رابحة إلا أولادهم، ومهما
جمعت من أموال ومهما ارتقيت إلى مناصب، ومهما ارتقيت إلى مدارج الرقي، إن لم يكن
ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.
لذلك الآية الكريمة في قوله تعالى:
﴿
فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ﴾
آدم وحواء
﴿
فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ﴾
﴿
الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾
بحسب قواعد اللغة: فتشقيا
﴿
فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ ﴾
الآية
﴿
فَتَشْقَى ﴾
أما السياق فتشقيا، ماذا قال علماء التفسير ؟ قال: هذا إيجاز بليغ،
لأن شقاء الرجل شقاء حكمي لزوجته،
﴿
فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾
يقاس على ذلك الأب والأم يشقيان بشقاء أولادهما، والله الذي لا إله
إلا هو أحياناً يأتيني اتصال هاتفي الأم أو الأب يكادان يموتان من الألم لانحراف
ولدهما.
أعظم
كسب الرجل تربية أولاده تربية صالحة:
أيها الأب: أيها أيتها الأم: إن رأيتِ، أو إن أردت حالة نفسية لا
توصف من شدة ما فيها من سعادة هي قرة العين، الآية الكريمة
﴿
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ
وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾
هذا العمل العظيم تربية الأولاد جزاؤه في الدنيا قبل الآخرة، في
الآخرة جزاء عظيم ما جزاؤه ؟
﴿
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا
بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾
يعني أعمال ذريتهم ألحقناها بهم، إن ربيت ولداً صالحاً كل أعماله
الصالحة في صحيفتك، الآن كل أعمال أولاده في صحيفتك، كل أعمال أولاد أولاده في
صحيفتك، كل أعمال ذريته إلى يوم القيامة في صحيفتك، لذلك:
((
أفضل كسب الرجل ولده ))
أعظم أنواع الكسب أن تعتني بابنٍ يكون صالحاً من بعدك.
الإنسان
بالاستقامة يسلم وبالعمل الصالح يسعد وبتربية أولاده يستمر وجوده:
ذكرت لكم من قبل أن الإنسان مفطور على حبّ وجوده، وعلى حبّ سلامة
وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، وعلى حبّ استمرار وجوده، سلامة وجودك بطاعة الله
والطاعة دائماً في الأعم الأغلب سلبية، أنا ما كذبت، ما، أنا ما اغتبت، أنا ما
قصرت الاستقامة طابعها سلبي، تحقق السلامة، ولكن العمل الصالح طابعه إيجابي، يحقق
السعادة الاستقامة تبدأ بما، أما العمل الصالح يبدأ، ببذلت، أعطيت، ضحيت، خدمت،
أنفقت دللت، أنت بالاستقامة تسلم، وبالعمل الصالح تسعد، وبتربية الأولاد يستمر
وجودك.
((
إن أولادَكُم مِنْ أطْيَبِ كَسْبِكُم ))
لكن يحتاج إلى وقت، يحتاج أن يكون ابنك معك، أن تلزم ولدك، أن
توجهه، العمل الذي يمتص كل وقتك هو خسارة، ألغى أبوتك، ألغى تربيتك لأولادك، ألغى
توجيهك لهم.
أعظم
عمل تقوم به أن تربي ابنك تربية إيمانية أخلاقية:
أكدت لكم كثيراً أن النجاح في الحياة لا يمكن أن يكون جزيئاً، لا
تعدّ ناجحاً في الحياة إذا حصّلت دخلاً كبيراً، وأهملت أولادك، لا تعدّ ناجحاً في
الحياة إذا حصلت دخلاً كبيراً وأهملت عملك، لا تعدّ ناجحاً إذا اعتنيت بأولادك
وقصرت مع ربك، النجاح في الحياة لابد من أن يكون شمولياً، أن تنجح في علاقتك مع
الله، وعلاقتك مع زوجتك وأولادك، وعلاقتك مع عملك، وعلاقتك مع صحتك.
((
إن أولادَكُم مِنْ أطْيَبِ كَسْبِكُم ))
والله لا أبالغ، أعظم عمل تقوم به أن تربي ابنك تربية إيمانية
أخلاقية، علمية نفسية، اجتماعية، جسمية، أن تربي ابنك هذه التربية إذاً هو قرة
عينك.
والله مرة قلت لأب ابنه عندنا في المسجد لكن صالح جداً، متفوق في
دراسته، أخلاقه عالية، ويتابع القرآن الكريم وطلب العلم، قلت له: والله هذا الابن
بالمقياس المادي يسوى مئة مليار دولار، لو معك مئة مليار هذا الابن أغنى من هذا
المبلغ، ولو كنت في الكفاف، وعندك هذا الابن ما خسرت شيئاً.
تربية
أولادنا فرض عين علينا:
إذاً
﴿
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾
إله عظيم يقول:
﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾
ينبغي
على كل إنسان أن يعتني بتربية أولاده بشرط ألا ينسى استقامته و إيمانه:
أيها الأخوة
﴿
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾
﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾
وبالمقابل:
﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا
أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
هذه الآية تؤكد المعنى الشمولي
﴿
لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
ينبغي أن تربي أولادك، الله
عز وجل يوصيك بهم، وينبغي أن تعتني بإيمانك واستقامتك وعملك الصالح.
من
أهمل دين ابنه و عقيدته كأنه قتله
نحن إذا ذكرنا كلمة قتل يقفز إلى أذهاننا هو الذبح، لا، قال تعالى:
﴿
وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾
هذه البنت البريئة التي وئدت في الجاهلية، ما مصيرها ؟ إلى الجنة،
مع أنها وئدت، والله عز وجل يقول:
﴿
وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾
واستناداً إلى قوله تعالى:
﴿
وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾
معنى ذلك إن لم تربِ ابنتك، وتفلتت، وعرضت مفاتنها، ولم تكن منضبطة
بمنهج الله، أنت بهذا قتلتها والدليل
﴿
وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾
لذلك الآية الكريمة:
﴿
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ﴾
الإملاق هو الفقر، قد نفهم هذه الآية بالمعنى الواسع، يعني من أجل
تأمين دخل كبير لا تهتم بدينه، لا تهتم بعقيدته، قد ترسله إلى بلد يعود كافراً
بدينه و بأمته، من أجل أن يحصّل دخلاً كبيراً، وهذا مزلق خطير يقع به الآباء من
أجل دنيا أبنائهم، قد يكون محل فيه فتنة، فيه فساد، فيه اختلاط، فيه انحراف، في
بلد بعيد، قد يأتي وقد ارتكب الفواحش ترى الأب لا يهتم بدين ابنه، كما يهتم بدخله
وعمله، هذا مزلق خطير في حياة المسلمين، قد يفهم هذا المعنى من قوله تعالى
﴿
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ﴾
لأن:
﴿
وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾
فأنت حينما تهمل دينه، وعقيدته، وتهمل استقامته، ولا يعنيك طهارته،
أو انحرافه كأنك قتلته
﴿
وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾
الابن
هدية من الله فينبغي أن نعتني بها:
أيها الأخوة، شيء آخر:
((
إن أولادكم هبة الله لكم ))
هبة الله ثمينة جداً، أنا والله في الثلاثين عام الماضية، ما أفتيت
بإسقاط، ولو كان ضمن الأربعين يوماً، أقول هذا هدية من الله، قد يكون هذا الابن
مصلحاً كبيراً، أو داعية كبيراً، أو عالماً جليلاً، الابن هدية من الله، والهدية
ينبغي أن يُعتنى بها.
((
إن أولادكم هبة الله لكم ))
الدليل:
﴿
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾
﴿
وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى ﴾
﴿
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ﴾
الهبة فضل من الله عز وجل، إذا أب عنده ابن صالح، يقول لك: والله
ما اعتنيت به كثيراً، لكن هو صالح، هو صاحب دين، اسجد لله، واشكر الله عز وجل أن
وهب لك ولداً صالحاً، فكم من إنسان منضبط، وعالم، وعامل، ومتفوق، له ابن ليس كما
يريد
﴿
وَوَهَبْنَا لَهُ ﴾
هذا معنى آخر، أي إذا ابنك صالح جداً لا تنسب صلاحه إليك انسب
صلاحه إلى أن الله عز وجل تفضل عليك، بهذا الابن الصالح.
الابن
الصالح يغمر قلب والديه بسعادة لا توصف:
والله أيها الأخوة، لا أبالغ ما من شعور يغمر قلب الأب والأم لدرجة
أنهما يسعدان بهذا الشعور كأن يرى الأب أو الأم ابنهما صالحاً.
والله امرأة في لوس أنجلوس كان في مؤتمر إسلامي كبير ألقيت كلمة،
ولما انتهت كلمتي اقتربت مني امرأة محجبة، قالت لي: أنا أخت فلان، فلان صديقي في
الشام قلت: أهلاً وسهلاً، فإذا هي تنفجر بالبكاء، قلت: خير إن شاء الله ؟! قالت:
ابنتي راقصة و ابني ملحد.
((
أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ ))
أيعقل أن ينزل النبي من على المنبر وهو يخطب ليحمل الحسن والحسين،
ويتابع الخطبة ؟ أيعقل أن النبي في أثناء السجود يرتحل الحسن ظهر النبي، فيطيل
السجود إكراماً له ؟ كان إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، كان يقول:
((
أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ ))
((
من كان له صبي فليتصابَ له ))
سيد العالمين، سيد المرسلين، في البيت يلاعب أحفاده، يمتطون ظهره،
هل رأيت أباً كهذا الأب ؟.
على
كل إنسان أن يعدل بين أولاده في كل شيء:
من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام:
((
اتقوا الله، واعْدِلُوا في أولادكم ))
والله أيها الأخوة، ينبغي أن تعدل بين أولادك حتى في القبل، حتى في
الابتسامة أحياناً الأب دون أن يشعر يعتني بأحد أولاده، يكون على ذكاء لا بأس به،
أو على وجه نير وقد يتجهم بولد آخر، هل تدري أيها الأب أنك حطمت الثاني، وأنك
عقدته، وأنك أصبته بأمراض، وأنه يموت ولا ينسى هذا الموقف ؟ أنا أتمنى على الأب
المؤمن أن يعدل بين أولاده حتى في القبل، حتى في الابتسامة، طبعاً باللبس،
والطعام، والشراب، والمال شيء بديهي وقطعي، أما بالأشياء التي تظنها لا شيء، في
القبلة، ابن حملته، الثاني ما حملته، ابن ضممته، الثاني ما ضممته، ابن ابتسمت له،
والثاني ما ابتسمت له، لمَ هذه التفرقة ؟.
((
واعْدِلُوا في أولادكم ))
ولو في القبل.
يا رسول الله ! اشهد أني نحلت ابني هذا شيئاً (حديقة) قال: ألك ولد
آخر ؟ قال: نعم، قال: هل نحلته مثل ما نحلت هذا ؟ قال: لا، قال: أشهد غيري فإني لا
أشهد على جور، والله رُفعت إليّ مشكلة، أن أباً توفاه الله عز وجل، ترك ألف مليون،
أحد أولاده يعمل على شاحنة، والثاني 80 محضر باسمه، والله ! لكن الثاني صالح،
فأعطى أخاه حقه بالتمام والكمال.
((
إن الرجل ليعبد الله ستين عاماً ثم يضر في الوصية فتجب له النار ))
((
اتقوا الله، واعْدِلُوا في أولادكم ))
وفي حديث آخر:
((
سووا بين أولادكم في العطية ))
بطولة
الإنسان لا أن ينتزع احترامه من أولاده بل أن يحبه أولاده:
لكن في حديث آخر، يقول عليه الصلاة والسلام:
((
أعينوا أولادكم على البر ))
رحم الله والداً أعان ولده على بره، يجعله يعمل معه في المحل
التجاري، ما في مانع، بمصروفه، يريد الزواج بحاجة إلى بيت، إلى زواج، بمصروفه،
أعطه أجر المثل، ولو أنه ابنك، في كلمة أقولها: في ثقافة المسلمين الأب محترم
قطعاً، في ثقافة المسلمين الأب محترم، ولكن ما كل أب يحب، بطولتك لا أن تنتزع
احترامك من أولادك، بطولتك أن يحبك أولادك، مقياس المحبة، كل أب محترم في ثقافة
المسلمين، لكن ما كل أب يحب.
((
أعينوا أولادكم على البر ))
((
رحم الله والداً أعان ولده على بره ))
في حديث آخر، يقول عليه الصلاة والسلام:
((
أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ ))
الله
عز وجل أودع في قلوب الآباء محبة الأولاد:
يوجد توجيه آخر: يقول عليه الصلاة والسلام:
((
كفى بالمرء إِثما أن يُضَيِّع مَن يقوتُ ))
هو يطعمه، ويسقيه، ويكسوه، ويعتني بصحته، لكنه ضيّع له إيمانه،
ضيّع له استقامته، لم يعبأ بترك صلاته، ترك الصلاة، يهمه تحصيله الدراسي فقط، تهمه
صحته فقط، أكاد أقول وأرجو أن أكون على صواب: محبة الأبناء طبع، وبر الأبناء
بآبائهم تكليف، الفرق كبير جداً.
تتصور يصدر قرار من رئاسة الوزراء بإلزام المواطنين بتناول طعام
الفطور ؟ شيء مضحك، مستحيل، لأن الحاجة إلى الطعام طبع، لا تحتاج إلى أمر أبداً.
والله عز وجل من أجل أن يربى الأولاد أودع في قلوب آبائهم المحبة،
فالأب المؤمن، الغير المؤمن، والمستقيم، والغير المستقيم، والمثقف، والغير المثقف،
أكبر دليل اذهب إلى مستشفى الأطفال، الأم المحجبة تبكي، والسافرة تبكي، والجاهلة
تبكي والمتعلمة تبكي، والبدوية تبكي، الله عز وجل أودع في قلوب الآباء محبة
الأولاد.
محبة
الآباء لأولادهم طبع فيهم، بينما برّ الأبناء لآبائهم تكليف:
الآن كلام دقيق قليلاً: يمكن ما في أجر على محبتك لأولادك، إذا شخص
تناول طعام الإفطار يعمل عملاً عظيماً ؟ تقرب إلى الله ؟ يبكي بالصلاة بعد الأكل ؟
لا، أكل بحاجة إلى أن يأكل
يعني إذا شيء ضمن الطبع أكاد أقول ما في أجر، لكن متى يؤجر الأب
على تربية ابنه ؟ إذا اهتم بدينه، اهتم بصلاته، اهتم بعقيدته، اهتم بأخلاقه، اهتم
بمستقبله الأخروي، أما تهتم فقط بصحته ؟ تحصيله ؟ الناس جميعاً هكذا، في الشرق
والغرب، لأن العناية بالأبناء طبع.
لذلك لا يوجد إلا آية واحدة يتيمة متعلقة بالمواريث
﴿
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾
﴿
مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾
أما بر الأبناء لآبائهم تكليف:
﴿
وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً
إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ
لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ﴾
بر الأبناء للآباء تكليف، فالابن إذا برّ أباه له أجر عظيم، لأنه
من الممكن أن يهمل أباه، ما في عنده حاجة فطرية إلى برّ أبيه، ولا سيما في آخر
الزمان، ينسى أمه يقول لها: كل البلاء منك، إذا اختلفت مع زوجته، وببيت واحد، هو
شهوته مع زوجته، مصلحته مع زوجته، أمه عبء أصبحت عليه، يتأفف منها أحياناً، لذلك
محبة الآباء لأولادهم طبع فيهم، بينما بر الأبناء لآبائهم تكليف.
لا
يرقى الإنسان عند الله إلا إذا اعتنى بدين أبنائه:
الابن البار له عند الله أجر كبير، لكن إذا اعتنى بصحة ابنه فقط،
وبتحصيله فقط، من دون ما يهتم بعقيدته، باستقامته، بإيمانه، بصلاته، جاء الأب
مساءً الأولاد أكلوا ؟ قالت له: أكلوا، كتبوا وظائفهم ؟ كتبوا، انتهى، وصلاتهم ؟
لذلك:
﴿
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾
لا ترقى عند الله إلا إذا اعتنيت بدين أبنائك.
تربية
الأولاد أعظم عمل على الإطلاق:
أخوانا الكرام:
((
لأنْ يُؤَدِّبَ الرجلُ وَلَدَه، خيرٌ من أن يتصدق بصاع ))
التربية عمل عظيم.
((
ما نَحَلَ وَالِدٌ وَلَداً من نَحْلٍ أفضل من أدبٍ حَسَنٍ ))
يقول لك: مؤدب، ضابط لسانه، الأب وراءه، لذلك التي اشتكت إلى الله
من فوق سبع سماوات، وقد قال الله عز وجل:
﴿
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى
اللَّهِ ﴾
((
ما نَحَلَ وَالِدٌ وَلَداً من نَحْلٍ أفضل من أدبٍ حَسَنٍ ))
احترام
شخصية الطفل و معاملته كالكبار:
ثم يقول عليه الصلاة والسلام:
((
أدبوا أولادكم على ثلاث خصال ))
على حب نبيكم، أنت تصدق أنه الحديث معناه أنه يا بني حب رسول الله
؟ كلام مضحك هذا، اجلس معه، من حين لآخر، حدثه عن رسول الله، عن محبته، عن تواضعه
عن رحمته، عن محبته للصغار، ذكره بمواقف النبي من الصغار.
أنا حدثني أب، قال لي: أنا أضع في مكان مبلغاً من المال مفتوح، وفي
دفتر علّم أولاده، خذ ما تشاء لكن سجل، أعطاه مسؤولية، المال موجود، مبلغ معقول،
خذ حاجتك وسجل، أنا أخذت مئة ليرة، أخذت خمسين، فصار الابن يشعر أن هذا المبلغ
طوال الشهر، هذا للشهر بأكمله، في معي ثلاث أخوات، فبدأ يأخذ باعتدال، والأشياء
الضرورية.
مرة حدثني أخ، قال لي، عنده ابن متفوق جداً، قال له: يا بني في
خطاط كبير هو على وشك الموت (أي تقدم به السن) وأنت بالنهاية طبيب، فاعمل لوحة عند
هذا الخطاط لوحة نحاسية كبيرة الدكتور، هو كان بالصف الثامن، وضع هذه اللوحة في
غرفته هذا الصغير يستيقظ صباحاً الدكتور، ينام الدكتور، والآن دكتور من كبار
الأطباء، بهذه اللوحة.
التقيت بالحج برجل من كبار العلماء، قال لي: أنا من قرية من قرى
حمص له قريب أمي، قال له: أنت بالتعبير الدارج حرام تكون أقل من دكتور، قريب أمي
بقرية من قرى حمص، قال له: حرام تكون أقل من دكتور، قال لي: والله هذه الكلمة بقيت
أسعى من أجل تحقيقها طوال عمري.
من
كان له ابن صالح فكل أعمال هذا الابن في صحيفة الأب يوم القيامة:
عليك أن تهتم بابنك، تهتم بدراسته، تهتم بأخلاقه، تعرف من أصدقاؤه
؟ تعرف ماذا يشكو ؟ تتلطف معه، يفصح لك عن سره، اجعل ابنك صديقاً لك، لا تجعل
حاجزاً بينك وبين ابنك، اجعله يبوح لك بكل شيء، اجعله صديقاً لك.
لاعب ولدك سبعاً، من واحد لسبعة ملاعبة، ضرب لا يوجد، وأدبه سبعاً،
معه حاجة ليست له، نبهه، إذا عادها مرة ثانية مرة ثالثة أدبه، ترك الصلاة أدبه،
وراقبه سبعاً ثم اترك حبله على الغارم، من واحد لسبعة ملاعبة، من سبعة لـ14
تأديباً.
مرة كنا بمؤتمر، دخلنا إلى غرفة أحد أعضاء المؤتمر، عجيب ! مرتبة
ترتيباً غير معقول و هو بالفندق، إذا شخص بالفندق لا يهتم، لأنه لا يوجد ضيوف، قال
لي: أنا أهلي من سن مبكر جداً علموني على طي ثيابي، على تهيئة حاجاتي، وعلى تنظيم
غرفتي في عادات.
كنت مرة بازرع بالجامع، أمامي طلاب مدرسة، إنسان همس بأذني قال لي:
هذه ازرع بلد ابن قيم الجوزية، قلت له: ما شاء الله ! أنا دُهشت، ابن القيم كان
طفلاً صغيراً، من يخطر في باله أن هذا الطفل الصغير سيكون ابن القيم ؟.
هناك الداراني بداريا، النووي بنوى، في علماء كبار من قرى، رفعوا
شأن الإسلام عالياً، أنت توقع أن يكون ابنك إنسان عظيم، توقع ابنك يكون مصلحاً
كبيراً، عالماً جليلاً، داعية خطيراً، متفوقاً، طبيباً جراحاً، مهندساً كبيراً،
هيئ نفسك، كل أعماله في صحيفتك.
هذه الموضوعات التي ربما كانت محاور للدروس القادمة.
والحمد لله رب العالمين