بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
من فوائد الصيام :أوامر ربنا سبحانه وتعالى فيها حكمٌ، أجلُّ من أن تستقصى، وأعظم من أن تحصى، هذا الجسد الذي هو قوام حياتنا، هذا الجسد الذي هو رأس مالنا، هذا الجسد الذي به نطيع الله عزَّ وجل، هذا الجسد الذي به نعمل الصالحات، هذا الجسد الذي هو بُلغتنا إلى الآخرة، إن الصيام يقدِّم له كلَّ شيء .
الله عزَّ وجل أمره عظيم، عبادة، وإخلاص، وإرادة، وطاعة، وتقوى، ورؤية، هذا كلُّه واضحٌ لا شكَّ فيه، وفضلاً عن كلّ, فالصيام صحة .
الإنسان بالصيام، كما قال الأطباء: تنخفض نسبة المواد الدسمة في الدم، والمواد الدسمة في الدم، هي الآفة الكبرى، أي هذه المواد الدسمة إذا تراكمت في الشرايين، تصلَّبت، فإذا تصلبت، تعب القلب، فإذا تعب القلب، كان تعبه هو القاضي على حياة الإنسان، لذلك كما قال عليه الصلاة والسلام:
((أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً, إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ))
[أخرجه البخاري في الصحيح]
والأطباء يقولون دائماً: إن عمر الإنسان بحسب علمهم، مقيدٌ بمرونة شرايينه، والصيام صيانةٌ لهذه الشرايين .
وأحد أطباء القلب يقول: إن أمراض القلب في العصر الحديث، ترجع إلى سببين؛ الكسل العضلي، والتوتر النفسي، فالإنسان حينما يصوم، تهدأ أعصابه، فإذا أطاع الله عزَّ وجل اطمأن قلبه، إذا أطاع الله عزَّ وجل، شعر بالأمن، قال تعالى:
﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
[ سورة الأنعام الآية: 81-82]
إن علماء الطب يقررون: أن الصيام صيانةٌ سنويةٌ للقلب والشرايين، وصيانةٌ سنويةٌ للكليتين، أيضاً الكليتان، تناول الطعام، وحرق الطعام، وتحويله إلى طاقةٍ من جهة، وإلى مواد مخزنة تحت الجلد من جهةٍ أخرى،
هذه العملية تسمى: عملية الاستقلاب، والاستقلاب له فضلات، أنت حينما تحول الوقود السائل إلى حركة، أليس هناك فضلات؟ أيُّ تحويلٍ المادة إلى طاقة، ينتج عنه بعض الفضلات، وحينما تحوَّل الأغذية المواد الدسمة والسكريات، والشحوم في الجسد إلى طاقة حركة، أو إلى مخزون شحمي، هذه العملية: عملية استقلاب، ينتج عنها فضلات، مَنْ المكلف بطرح الفضلات؟ الكليتان، ما دام الطعام والشراب على قدمٍ وساق، وما دامت الأجهزة تعمل بأعلى طاقاتها، فهناك خطر ضعف الكليتين, وإصابتهما بهبوط مفاجئ في وظائفها .
فالصيام وقاية للكليتين من التعب الشديد، وصيانةٌ لهما، أمر الله سبحانه وتعالى لا تعدُّ فوائده ولا تحصى .
خطاب المؤمنين .
ربنا سبحانه وتعالى, يقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾
[سورة البقرة الآية: 183]
أريد أن أقف عند:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾
[سورة البقرة الآية: 183]
بالقرآن في خطاب آخر:
﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾
[سورة الانفطار الآية: 6]
لكن إذا قال الله عزَّ وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾
[سورة البقرة الآية: 183]
فأنت حينما تشعر أنك معنيٌ بالخطاب، فأنت مؤمنٌ, ورب الكعبة، إذا شعرت أنك معنيِّ، رب العزة يخاطبك، خالق السموات والأرض يخاطبك، تقول له: سمعاً وطاعةً يا رب، أنت إذا خوطبت من عظيمٍ تتجمد في مكانك، تكون أذناً صاغيةً له، أنت إذا التقيت مع إنسان له مكانة اجتماعية, وخاطبك باسمك تكون كتلةً من الآذان الصاغية إليه، فالله سبحانه وتعالى يقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾
[سورة البقرة الآية: 183]
يا من آمنتم بي، هذا أمري، يا من عرفتموني، هذا أمري، يا من صدقتم كلامي، هذا أمري, قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾
[سورة البقرة الآية: 183]
ومعنى كتب؛ أي فُرِض، والشيء المهم؛ يكتب كتابةً، إن الأعمال الجليلة لا تنقل من الآمر إلى المأمور شفهياً، لا بدَّ من أن تنقل كتابياً لقيمتها، ولخطورتها، ولنتائجها، ولعظم شأنها، فلذلك ربنا سبحانه وتعالى, يقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾
[سورة البقرة الآية: 183]
لئلا يظنَّ الناس أن هذه الأمة قد فرض عليها الصيام من دون بقية الأمم, لا, إن الصيام أصلٌ في الدين، فقد كتب عليكم كما كتب على الذين من قبلكم .